الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فجاء بتمييز الثلاث جمعا من لفظ المائة على ما يقتضيه القياس وإن كان شاذا في الاستعمال ويجوز في التمييز حينئذ وجهان أحدهما الاتباع على البدل نحو ثلاثة أثواب والنصب على التمييز نحو ثلاثة أثوابا وقوله تعالى: {ثلاثمائة سنين} نصب على البدل أو عطف البيان لثلاثمائة.هذا رأي أبي اسحق الزجاج قال: ولا يجوز أن يكون تمييزا لأنه لو كان تمييزا لوجب أن يكون أقل ما لبثوا تسعمائة سنة لأن المفسر يكون لكل واحد من العدد وكل واحد سنون وهو جمع والجمع أقل ما يكون ثلاثة فيكونون قد لبثوا تسعمائة سنة وأجاز الفراء أن يكون سنين تمييزا على حد قوله: قال وذلك أنه جاء في التمييز سودا وهو جمع لأن الصفة والموصوف شيء واحد والمذهب الأول لأن الثواني يجوز فيها مالا يجوز في الأوائل ألا ترى أنك تقول يا زيد الطويل ولو قلت يا الطويل لم يجز.هذا والبيت لعنترة من معلقته التي مطلعها: وقبل البيت المستشهد به: وراعني أفزعني والحمولة: الإبل التي يحمل عليها ووسط ظرفه وإذا لم يكن ظرفا حركت السين فقلت وسط الدار واسع، وتسف:تأكل يقال: سففت الدواء أسفه، والحلوبة المحلوبة تستعمل في الواحد والجمع على لفظ واحد، والخوافي أواخر ريش الجناح مما يلي الظهر، والأسحم الأسود، واثنتان مرفوع بالابتداء وأربعون معطوف عليه وقوله سودا نعت لحلوبة لأنها في معنى الجمع والمعنى من الحلائب والكاف في قوله كخافية في موضع نصب والمعنى سودا مثل خافية الغراب الأسحم ومما ذكرناه في تفسير الحلوبة وصلاحيتها للاطلاق على الواحد والجمع تعلم ما في قولهم أن الشاهد في هذا البيت جواز وصف المميز المفرد بالجمع وادعائهم أن حلوبة مفرد مميز للعدد وأنه وصف بالجمع وهو سود الذي هو جمع سوداء وزعم الأعلم أن قوله سودا ليس بوصف وانما هو حال من قوله اثنتان وأربعون قال: وهو حال من نكرة ويجوز رفعه على النعت ولا يكون نعتا لحلوبة لأنها مفردة إذا كانت تمييزا للعدد وسودا جمع ولا ينعت الواحد بالجمع وليس بشيء لأنهم غفلوا عن السر وهو إطلاق حلوبة على الواحد والجمع.هذا ونلخص فيما يلي أحكام العدد عامة:ألفاظ العدد من ثلاثة إلى تسعة تكون على عكس المعدود في التذكير والتأنيث سواء كانت مفردة كقوله تعالى: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما} أو مركبة كخمسة عشر قلما وست عشرة ورقة أو معطوفا كثلاثة وعشرين يوما وأربع عشرين ساعة، وأما واحد واثنان منهما على وفق المعدود في الأحوال الثلاثة، وأما مائة وألف فلا يتغير لفظهما في التذكير والتأنيث، وكذلك ألفاظ العقود كعشرين وثلاثين إلا عشرة فهي على عكس معدودها إذا كانت مفردة، وعلى وفقه إذا كانت مركبة.هذا ويصاغ من اسم العدد وصف على وزن فاعل مطابق لموصوفه، أما تعريف العدد، فالمضاف تدخل ال على المضاف إليه، والمركب تدخل ال على جزئه الأول، والمعطوف تدخل ال على الجزأين.واما اعراب الاعداد فعلى ثلاثة أشكال:1- بالحركات من واحد إلى عشرة على أن تكون هذه مفردة غير مركبة ويستثنى منها العدد اثنان للمذكر واثنتان للمؤنث فانهما لفظان ملحقان بالمثنى.وكذلك العددان مائة وألف.2- بالحروف وهو العدد اثنان للمذكر واثنتان للمؤنث والعقود.3- بالبناء على الفتح وهي الأعداد المركبة أي من أحد عشر إلى تسعة عشر ومن الحادي عشر إلى التاسع عشر ما عدا الجزء الاول من اثني عشر لأنه يلحق بالمثنى كما تقدم.اسم الفاعل المشتق من العدد:يستعمل اسم الفاعل المشتق من العدد على معنيين:أحدهما: أن يكون المراد به واحدا من جماعة.وثانيهما: أن يكون فاعلا كسائر أسماء الفاعلين.فالأول نحو ثاني اثنين وثالث ثلاثة قال اللّه تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن اللّه ثالث ثلاثة} وقال عز وجل: {إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين} فما كان من هذا الضرب فإضافة محضة لأن معناه أحد ثلاثة وبعض ثلاثة فكما أن إضافة هذا صحيحة فكذلك ما هو في معناه ولا يجوز فيه أن ينون وينصب في قول أكثر النحويين لأنه ليس مأخوذا من فعل عامل وأما الثاني وهو ما يكون فاعلا كسائر أسماء الفاعلين نحو ثالث اثنين ورابع ثلاثة وخامس أربعة فهذا غير الوجه الأول إنما معناه هو الذي جعل الاثنين ثلاثة بنفسه فمعناه الفعل كأنه قال الذي ثلثهم وربعهم وخمسهم وعلى هذا قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} ومثله: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم}.... {رجما بالغيب} {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} وعلى هذا الوجه يجوز أن ينون وينصب ما بعده فتقول: هذا ثالث اثنين ورابع ثلاثة لأنه مأخوذ ثلثهم وربعهم فهو بمنزلة هذا ضارب زيدا والأول أكثر قال سيبويه: قلما تريد العرب هذا يعني خامس أربعة فإن أضفته فهو بمنزلة ضارب زيد فتكون الاضافة غير محضة هذا إذا أريد به الحال أو الاستقبال فإن أريد به الماضي لم يجز فيه إلا حذف التنوين والإضافة كما كان كذلك في قولك هذا ضارب زيد أمس.2- التعجب وصيغة في العربية:التعجب انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر خفي سببه ولهذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب ولا يطلق على اللّه أنه متعجب إذ لا شيء يخفى عليه وما وقع مما ظاهره ذلك في القرآن فمحمول على أنه مصروف إلى المخاطب نحو قوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} أي أن حالهم في ذلك اليوم ينبغي لك أيها المخاطب أن تتعجب وقيل التعجب هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية فيه، وقوله تعالى هنا {أبصر به وأسمع} ذهب العلماء فيه ثلاثة مذاهب:1- أنه بلفظ الأمر ومعناه الخبر والباء مزيدة في الفاعل إصلاحا للفظ فإن قلت كيف تكون الهاء فاعلا وهي ضمير نصب أو جر قلت إنما هو اصطلاح وساغ ذلك لوجود الباء لفظا قبلها ولأن الباء إنما زيدت ليصير على صورة المفعول.2- أن الفاعل ضمير المصدر.3- أن الفاعل ضمير المخاطب واحتج القائلون بذلك على أنه لا يعهد استعمال الأمر في الماضي وانما التزم إفراده وتذكيره فلم يثن ولم يجمع ولم يؤنث لأنه كلام جرى مجرى المثل وهذه إحدى صيغ التعجب القياسية.والثانية ما أفعله وهاتان الصيغتان هما المبوب لهما في كتب النحو وهما القياسيتان ومعنى ما كما قال سيبويه انها نكرة تامة بمعنى شيء وابتدئ بها لتضمنها معنى التعجب وما بعدها من الجملة الفعلية في موضع رفع خبرها وهذا هو المذهب الصحيح لأن قصد المتعجب الإعلام بأن المتعجب منه ذو مزية إدراكها جلي وسبب الاختصاص بها خفي فاستحقت الجملة المعبر بها عن ذلك أن تفتح بنكرة غير مختصة ليحصل بذلك إبهام متلو بافهام.وهنالك صيغ أخرى للتعجب واردة في الكتاب والحديث ولسان العرب فمن الكتاب {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتا فأحياكم} ومن الحديث قوله صلى اللّه عليه وسلم لأبي هريرة: «سبحان اللّه أن المؤمن لا ينجس» ومن كلام العرب: للّه دره فارسا ولكن النحاة لم يبوبوا لهذه الصيغ لأنها لم تدل على التعجب بالوضع بل بالقرينة.مسائل هامة:1- لا يتعجب الا من معرفة أو نكرة مختصة فلا يقال ما أسعد رجلا لأنه لا فائدة من ذلك.2- يجوز حذف المتعجب منه إذا كان ضميرا كقول علي بن أبي طالب كما قيل: أي ما أعفها وأكرمها وإنما قلنا كما قيل لأن هذا البيت لم يثبت لعلي وفي القاموس في مادة ودق نقلا عن المازني وصوبه الزمخشري أنه لم يصح أنه تكلم بشيء من الشعر غير بيتين وهما قوله: وفي باب أفعل به إن كان معطوفا على آخر مذكور معه كما في الآية: {أبصر به وأسمع} وانما حذف مع كونه فاعلا لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة وشذ حذفه دون أن يعطف على مثله كقول عروة ابن الورد: فحذف المتعجب منه ولم يكن معطوفا على مثله.هذا ولا يبنى هذان الفعلان إلا مما اجتمعت فيه ثمانية شروط:1- أن يكون فعلا وشذ قولهم ما أذرع المرأة بنوه من قولهم امرأة ذراع والذراع كسحاب: الخفيفة اليدين بالغزل وروى ابن القطاع في الأفعال ذرعت المرأة خفت يدها في العمل فهي ذراع وعلى هذا لا شذوذ في قولهم ما أذرع المرأة ومن ذلك قولهم ما أجدره بكذا وما أقمنه بكذا فالأول بنوه من قولهم هو قمين بكذا والثاني من قولهم هو جدير بكذا والمعنى فيهما ما أحقه بكذا ولا فعل لهما ولكن قال في القاموس وقد جدر ككرم جدارة وإنه لمجدرة أن يفعل ومجدور أي مخلقة وجدره جعله جديرا وطاح كلام النحاة من أساسه.2- أن يكون الفعل ثلاثيا فلا يبنيان من رباعي مجرد ولا مزيد فيه ولا ثلاثي مزيد بحرف أو حرفين أو ثلاثة إلا وزن أفعل فقيل يجوز بناؤهما منه سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا نحو ما أظلم الليل وما أفقر هذا المكان وقيل هو شاذ يحفظ ما سمع منه كما تقدم ولا يقاس عليه وقالوا: ما أعطاه للدرهم وما أولاه للمعروف وما أتقاه اللّه وشذا كذلك ما أخصره لأنه من اختصر.3- أن يكون الفعل متصرفا لأن التصرف فيما لا يتصرف نقض لوضعه وشذ ما أعساه وأعسى به.4- أن يكون معناه قابلا للتفاضل أو التفاوت فلا يبنيان من نحو فني ومات وغرق لأنه لا مزية فيه لبعض فاعليه على بعض حتى يتعجب منه.5- أن يكون مبنيا للمعلوم فلا يبنيان من المبني للمجهول وبعضهم استثنى ما كان ملازما للبناء على المجهول نحو عنيت بحاجتك وزهي علينا فيجيز التعجب لعدم اللبس فتقول ما أعناه بحاجتك وما أزهاه علينا.
|